المعاق
أصدر القدر كلمته وأسمع المكتوب المقدر صوته ، هكذا اختاره الله أن يكون وهكذا أحب أن يراه ، انسان بلا نظر أو بلا سمع أو بلا لسان أو بلا حركة ، انسان حرمه – سبحانه وتعالى – نعما ليعطيه أخرى بديلة ، كثيرا ما تنعدم في غيره ممن يظن نفسه كاملا سويا . حكمة ربانية لا أحد يعلم سرها ، عطاء الهي لا يحق لبني البشر الاعتراض عليه .
فأين الرحمة ؟
منعوه من الظهوروحجبوه عن الانظار قسرا ، سلبوه حقه في الخروج وممارسة حياته بشكل عادي ، أهانوه ووضعوه على الهامش ، سخروا من شكله وقلدوه في بعض الحركات التي يجبر عليها جراء وضعه الصحي غير الطبيعي ، قهقهوا ضحكا عليه وهو يتألم من الداخل ، استبدلوا اسمه الحقيقي ومنحوه لقبا جديدا انطلاقا من النقص الذي يشكو منه ، نادوه به وهم يزيدونه جرحا ولوعة و أسى ، و مرة اخرى أين الرحمة ؟؟
خيمت عليه الكآبة و الحزن الشديد ، كره نفسه وتمنى لو انه لم يأت الى الوجود ، حاول الانتحار ليس من قلة ايمانه ووعيه فهو راض بحاله ومقتنع بوضعه ، انما ارضاء لمن حوله ممن يطاردونه ويطلبون له الموت في كل هنيهة ، رفعا للظلم الذي يطاله كل دقيقة من غير سابق ذنب أو جرم اقترفه . انه أصبح مسخرة الاهل بين الناس ومحل شماتة عندهم ، يعيرونهم به وينالون من شخصه البريء وهو العاجز الضعيف ذو الاحتياج الخاص .
فلماذا هذا الانسان منبوذ دائما في مجتمعاتنا ؟؟
أليس له الحق مثلنا في الحياة ؟؟
ثم من صوره على هذا الحال أليس رب العالمين ؟
هل نسينا اننا معرضون بدورنا لأن نصبح على شاكلته يوما ؟؟
الحياة مليئة بالحوادث و المفاجآت ، ولا احد يعلم ما يخبئه الغيب ، ربما القادم يحمل معه حياة جديدة كالتي يعيشها هذا الأخير الذي نتبرأ منه ونتنكر له ، حينها لن نجد من يرحمنا او يمد لنا يد المساعدة ، بل حينها فقط قد نشعر بما يشعر به هو الآن وسنتألم كثيرا مثلما هو يتألم .
ان الذي خلق الأسوياء من البشر هو نفسه من ابتلى غيرهم في صحتهم اختبارا لصبرهم حيث تحتم المسؤولية ان نعينهم على ذلك ونقوي عزيمتهم، ولعل المعاق الحقيقي هو من يعامل اخاه الانسان بقسوة وغلظة تختفي فيهما معاني الانسانية ، لعل المعاق الفعلي هو من يملك كل الحواس فيتعذر عليه استخدامها فيما هو ايجابي يعود عليه وعلى غيره بالنفع و الفائدة ، اذ بالرغم من امتلاكه لنعمة البصر و السمع و اللسان تجده انسانا غير منتج بقدر ما هو استهلاكي بامتياز ، ولنا في الواقع عبر ودلالات لمشاهير كبار تحدوا اعاقاتهم وسجلوا اسماءهم في سجل الخالدات ، في الوقت الذي سجل غيرهم من الاسوياء أنفسهم في خانة السلبيين عطاءا والمتخلفين فكريا من فرط عدم تشغيل عقولهم .
لى متى سيظل ذوو الاحتياجات الخاصة بلا مكان بيننا في المجتمع ؟؟
وهل من منصف لواقعهم الأليم ؟؟
نأمل أن يعاد النظر في أحوالهم و أوضاعهم ، فهم بالنهاية منا وأرواح آدمية مثلنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق